الدبلوماسية المصرية.. من كسر محاولات الحصار إلى الشراكة الاستراتيجية

وجدت وزارة الخارجية المصرية، نفسها على مفترق طرق حاسم عقب ثورة 30 يونيو 2013، لم يكن التحدى فقط فى تبرير التحولات السياسية أمام العالم، بل فى إعادة بناء جسور الثقة مع شركاء تقليديين، وفتح قنوات جديدة مع قوى صاعدة فى نظام دولى شديد التحول، وبينما انشغل الداخل بإعادة ترتيب البيت السياسى، كانت الخارجية تخوض معركة أكثر هدوءًا، لكنها لا تقل أهمية، دفاعًا عن صورة مصر وشرعية اختيارات شعبها، هذه المرحلة لم تكن مجرد لحظة دبلوماسية طارئة، بل كانت اختبارًا لقدرة الدولة على استعادة مكانتها الإقليمية والدولية فى ظل سياقات تتسم بالغموض والتقلب.
وفى ظل هذه التحديات، برز دور وزارة الخارجية كأحد أعمدة استعادة التوازن والثقة الدولية، من خلال تحرك دبلوماسى نشط وشامل، أعاد لمصر صوتها الفاعل فى المحافل الإقليمية والدولية، واستندت السياسة الخارجية لدولة 30 يونيو إلى مبادئ واضحة تقوم على احترام السيادة، وعدم التدخل فى شؤون الآخرين، وتحقيق التوازن الاستراتيجى فى العلاقات الدولية بما يخدم الأمن القومى والمصالح الوطنية المصرية، وهو ما يتحدث عنه بالتفصيل رجال الدبلوماسية المصرية فى هذه السطور..
تحديات كبيرة واجهتها الدولة على الصعيد الدبلوماسى، عقب ثورة ٣٠ يونيو من مواجهة مواقف إقليمية ودولية معقدة تطلبت تحركًا دبلوماسيًا واسع النطاق لإعادة صياغة علاقاتها الخارجية، بهذه الكلمات تحدث محمد العرابى، وزير الخارجية الأسبق لـ«روزاليوسف» عن تفاصيل المواجهات الدبلوماسية فى تلك الفترة.
أول تلك التحديات، حسب وصف «العرابى»، هو تحفظ بعض القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، على طريقة انتقال السلطة، مما دفع القاهرة إلى إطلاق حملة دبلوماسية لتوضيح أن ما جرى كان استجابةً لإرادة شعبية عارمة، عبّرت عن مطالب ملايين المصريين.
وحول تأثر العلاقات مع واشنطن، عقب التجميد الجزئى للمساعدات العسكرية الأمريكية، إلى جانب انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان والحريات، رد «العرابى»، قائلًا: «انتهجت مصر سياسة تنويع الشراكات الاستراتيجية، فعززت علاقاتها مع موسكو وبكين وباريس، مما أسهم فى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة».
وعن موقف الاتحاد الأوروبى، أكد وزير الخارجية الأسبق أنه اتخذ موقفًا حذرًا، فى حين دعمت بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا واليونان وإيطاليا، الدولة المصرية، وكثفت وزارة الخارجية جهودها الدبلوماسية لشرح أبعاد الموقف السياسى الداخلى وطمأنة المجتمع الدولى بشأن مسار التحول الديمقراطى.
وردًا على التحالفات الدولية التي دعمت جماعة الإخوان الإرهابية، أشار «العرابى» إلى أن القاهرة نسجت تحالفات استراتيجية مع كل من السعودية والإمارات والبحرين، مما عزز الموقف المصري فى مواجهة الحملات الإعلامية والسياسية المضادة، موضحًا أن الاتحاد الأفريقى قرر تعليق عضوية مصر عقب 30 يونيو، فى خطوة غير مسبوقة اعتبر أن ما جرى لا يتوافق مع المواثيق الديمقراطية للاتحاد، إلا أن القاهرة أطلقت حملة دبلوماسية ناجحة أثمرت عن استعادة عضويتها خلال أشهر، بعد توضيح تفاصيل المرحلة الانتقالية.
ورغم هذه التحديات، إلا أن الدبلوماسية المصرية تمكنت من ترميم علاقاتها الدولية والإقليمية، وبناء صورة جديدة قائمة على الشراكة والتنمية ومكافحة الإرهاب، وقد كانت هذه المرحلة مليئة بالدروس التي شكلت دافعًا لمواصلة تعزيز مكانة مصر على الساحة الدولية، على حد قوله.
وزارة الخارجية المصرية، أيضًا نجحت فى تجاوز تلك التحديات، بفضل سياسة خارجية صارمة لا تتسامح مع أى افتراءات تمس الإرادة الشعبية، وتقوم على مبادئ الاحترام المتبادل، وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، والتصدى بحزم لأى تهديدات تمس الأمن القومى المصري، وهو ما أوضحه «العرابى» فى تصريحاته الخاصة.
واختتم الوزير الأسبق تصريحاته، مؤكدًا أن هذه السياسة أسهمت فى دفع علاقات مصر الخارجية إلى الأمام، إذ أصبحت البلاد تتمتع بعلاقات استراتيجية مع كل من روسيا، والولايات المتحدة، والهند، وكوريا الجنوبية، وتركيا، التي استعادت علاقتها بمصر مسارها الطبيعى بعد فترة من التوتر، مشيرًا إلى أن هذه الإنجازات ما كانت لتتحقق لولا تبنى مصر لسياسة خارجية متوازنة ومدروسة.
فى السياق نفسه، خلص السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن مصر قدمت نموذجًا فريدًا فى كيفية تمكن دولة تمر بتحولات كبرى من فرض حضورها على الساحة الدولية دون تبعية أو مجاملة، وإنما عبر التمسك بالمبادئ، وتوسيع الخيارات، وبناء عناصر قوة حقيقية.
«حجازى»، قال فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف»: «إن السياسة الخارجية المصرية قامت على نهج التوازن الاستراتيجى، الأمر الذي أسهم فى ترسيخ استقلال القرار الوطني، ورفض أى تدخل خارجى أو مساس بسيادة الدولة وإرادة شعبها»، مشددًا على أن الدبلوماسية ليست فقط تحركات خارجية، بل مرآة تعكس قوة الداخل، حيث لعب الاستقرار الداخلى، وبناء مؤسسات الدولة، دورًا مهمًا فى تمكين مصر من الصمود أمام الضغوط، وفرض رؤيتها على المستوى الإقليمى والدولى.
مساعد وزير الخارجية الأسبق، وصف التحركات المصرية فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو، بأنها اتسمت بالمرونة والصلابة معًا، وشملت تفاعلات نشطة فى الشرق والغرب، عبر زيارات رئاسية وجولات دبلوماسية، مستندة إلى شرعية شعبية واضحة أفرزت التحولات السياسية الأخيرة، لافتًا إلى أن السياسة الخارجية المصرية ترتكز على عدد من المبادئ الثابتة، أبرزها استقلال القرار الوطني، ورفض الانخراط فى محاور أو التبعية لأى قوة خارجية، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية، كما تسعى مصر لتحقيق توازن فى علاقاتها الدولية، وتنويع شراكاتها بين الشرق والغرب لضمان استقلالية القرار.