اخبار العالم

“القيمة”.. أكلة عاشوراء والاربعينية التي تجاوزت المطبخ وتحولت لشعيرة وهوية عراقية

إنها رائحة “القيمة”، الأكلة العراقية المرتبطة وجدانياً ووجبةً وشعيرةً بموسم العزاء الحسيني الذي يبدأ من عاشوراء ويستمر حتى زيارة الأربعين.

القيمة ليست مجرد طعام، بل هي رمز روحي واجتماعي وديني يتجاوز المطبخ إلى عمق الهوية والموروث في العراق.
ما هي “القيمة”؟ ومما تتكوّن؟
القيمة (أو “القيمة الحسينية” كما تُعرف في هذه الأيام) هي طبق تقليدي عراقي يتكوّن أساساً من اللحم المجفف أو الطازج، والحمص المجروش، والبصل، والطماطم، ومعجون الطماطم، والبهارات، ويُطهى لفترات طويلة على نار هادئة حتى تتجانس مكوناته ويتحول إلى خليط كثيف القوام ولونه مائل إلى الأحمر.
وتقدَّم القيمة عادة مع الأرز الأبيض، وتُوزَّع مجاناً في مواكب العزاء والحسينيات على الزائرين والمعزّين من مختلف المدن، بل ومن خارج العراق أيضاً.
لماذا تكثر في عاشوراء وحتى الأربعين؟
يرتبط انتشار “القيمة” بهذه المناسبة ارتباطاً وثيقاً بعدّة عوامل دينية وتاريخية واجتماعية:
الرمز الديني
يعتبر إعداد القيمة وتقديمها في عاشوراء جزءاً من الطقوس الشعائرية لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام). ويُعدّ تقديم الطعام، خصوصاً “القيمة”، نوعاً من النية الحسينية و”النية في سبيل الله”.
هذه الاكلة التي يكثر فيها اللحم يتناولها الأغنياء والفقراء والبسطاء وعامة الناس كونها لذيذة وتطبخ بطريقة احترافية.
التراث الحسيني
تاريخياً، ارتبط هذا الطبق بـمواكب العزاء في كربلاء، حيث يقال إن أول من طبخ “القيمة” بكميات ضخمة هم خَدَمة المواكب القادمة من النجف والكاظمية منذ قرون، وكانت مكوناتها آنذاك بسيطة لكن غزيرة وتكفي لإطعام آلاف الزائرين.
سهولة التحضير الجماعي
تتميّز “القيمة” بإمكانية إعدادها بكميات ضخمة في قدور كبيرة لذلك فهي مثالية للطهي الجماعي في المواكب والخيم الحسينية، وهو ما جعلها تنتشر بشكل لافت في المناسبات التي يتجمع فيها آلاف المعزّين.
سهولة التوزيع
وتُقدَّم القيمة مع الأرز في أوانٍ بلاستيكية أو معدنية، وهي سهلة التناول حتى أثناء السير، وهو أمر بالغ الأهمية خلال مسيرة الأربعين حيث يمشي الزائرون لمسافات طويلة من مختلف المحافظات باتجاه كربلاء.
مشهد من عاشوراء: المواكب تفيض بالقيمة
في كربلاء، على وجه الخصوص، تتحول المدينة إلى مطعم مفتوح. مئات المواكب تنصب قدورها في الشوارع، وتبدأ بطهي “القيمة” إضافة الى أصناف أخرى من الطعان، منذ ساعات الفجر الأولى. وتُستخدم أطنان من اللحوم والحمص والأرز يومياً وقد تصل بعض المواكب إلى توزيع عشرات الآلاف من الوجبات يومياً.
ويتبارى أصحاب المواكب في جودة الطبخ وكرم الضيافة، وتُعد القيمة مظهراً من مظاهر الكرم العراقي، إذ لا تقتصر على الفقراء أو الزائرين، بل تُقدَّم للجميع من دون استثناء.

زر الذهاب إلى الأعلى