اخبار العالم

ذروة شهر محرم.. المواكب تستنفر والحكومة تعلن خططاً أمنية وخدمية في المدن المقدسة

وتشهد المواكب الحسينية، التي تُعد القلب النابض لهذه المناسبة، حراكاً مكثفاً لتكون جاهزة لاستقبال الملايين من الزوار والمُعزين. كما وبدأت المواكب المنتشرة في الشوارع والأحياء قبل بداية شهر محرم الحرام، بإقامة سرادقات العزاء الضخمة وتجهيز أماكن الضيافة لاستقبال الزائرين.

كما تُعد هذه السرادقات، المعروفة محلياً بـ”المضايف” أو “المواكب”، مراكز لتقديم الطعام والشراب والمبيت المجاني للزوار الذين يتوافدون من مختلف أنحاء العراق والعالم. تُشرف عليها لجان تطوعية تعمل على مدار الساعة لضمان توفير كافة الخدمات.
كما تولي المواكب اهتماماً خاصاً بالجانب الخدمي، حيث يتم توفير مياه الشرب النقية، وتنظيم دورات المياه، وتوفير فرق لتنظيف وتهيئة الأماكن العامة. وفي ظل المخاوف الصحية، تُتخذ إجراءات وقائية إضافية لضمان سلامة الزوار، مثل توفير المعقمات والمستلزمات الطبية الأساسية. كما تتواجد الفرق الطبية المتطوعة لتقديم الإسعافات الأولية عند الحاجة.
لا تقتصر استعدادات المواكب على الجانب الخدمي، بل تمتد لتشمل الجانب الديني والثقافي. تُجهز المواكب مكبرات الصوت لعرض المحاضرات الدينية وقراءة المجالس الحسينية والقصائد الرثائية التي تروي تفاصيل واقعة الطف وتضحية الإمام الحسين (عليه السلام). كما تُنظم فعاليات ثقافية تهدف إلى تعزيز الوعي بقيم عاشوراء ومبادئها.
ويتم التنسيق المستمر بين القائمين على المواكب الحسينية والجهات الحكومية المختصة، مثل قيادات العمليات، ودوائر البلدية، والصحة، لضمان انسيابية الحركة المرورية، وتوفير الأمن، وتقديم الخدمات اللوجستية الضرورية. هذا التعاون يهدف إلى إنجاح مراسم الزيارة وتوفير بيئة آمنة ومريحة للملايين من المعزين.
مواكب الزنجيل والطبخ
وتعد مواكب الزنجيل، أو الضرب بالسلاسل، هو أحد أشكال العزاء الحسيني المنتشرة على نطاق واسع في العراق، ويُعد تعبيرًا جسديًا عن الحزن والمواساة لمصائب أهل البيت في واقعة كربلاء.

يرمز الزنجيل إلى المصائب التي حلّت بقافلة أسرى أهل بيت الحسين (ع)، مثل تقييدهم بالسلاسل وضربهم بالسياط. ويُعتقد أن المشارك يتجشم رزيتهم ويتذكر الصعاب التي واجهوها، ويُنظر إليه كتعبير عن التضحية الجسدية في سبيل الإمام الحسين (ع). 

يُعد الطبخ في المواكب الحسينية ركيزة أساسية من ركائز إحياء عاشوراء وزيارة الأربعين، حيث يجسد كرم الضيافة وأواصر التكافل الاجتماعي بين المعزين والزوار. تُعد هذه الموائد جزءًا لا يتجزأ من الشعائر، ويحرص القائمون على المواكب على تقديم أشهى الأطباق بكميات ضخمة لإطعام الملايين.
تُعرف المواكب الحسينية بتقديم مجموعة واسعة من الأطعمة التقليدية العراقية، التي تُطهى بكميات كبيرة وعلى نار هادئة، مما يضفي عليها نكهة مميزة. من أشهر هذه الأطباق:
القيمة النجفية: مرق سميك من اللحم والحمص يُقدم عادة مع الأرز الأبيض (التمن).
الهريسة: طبق شعبي يتكون من حبوب القمح المقشرة المطبوخة مع اللحم والتوابل، ويُعد طبقًا دسمًا ومغذيًا.
الشوربات: بأنواعها المختلفة، تُقدم لتوفير الدفء والطاقة للزوار.
خبز العباس: خبز خاص يُخبز في المواكب ويُقدم للبركة.
الزردة والزبيبية الموصلية: أطباق حلويات تُقدم أيضًا في بعض المواكب.
أكلات خفيفة وحديثة: بدأت بعض المواكب في السنوات الأخيرة بتقديم أكلات سريعة وخفيفة مثل الكباب وخبز العروك، لتلبية الأذواق المتنوعة للزوار.

يعكس الطبخ في المواكب روح التضحية والعطاء اللامحدود، حيث يُقدم الطعام مجانًا للجميع، بغض النظر عن انتمائهم. كما يُعتبر الطعام المقدم في المواكب “مباركًا” بنسبة الإمام الحسين، ويتسابق الزوار للحصول عليه تبركًا، ويُعتقد أنه يجلب الشفاء والبركة. يعتمد إعداد هذه الكميات الهائلة من الطعام على جهود تطوعية جبارة من الرجال والنساء والأطفال الذين يعملون لساعات طويلة بدافع الإيمان.
كما تُعد التشابيه الحسينية جزءًا أصيلًا وراسخًا من الشعائر والمواكب الحسينية التي يُحييها المسلمون الشيعة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطف الأليمة. هذه التشابيه ليست مجرد تمثيل مسرحي عادي، بل هي تجسيد حي لقصة التضحية والفداء، وهدفها إيصال رسالة عاشوراء وتأثيرها العاطفي والروحي إلى الجماهير.

التشابيه الحسينية هي عروض تمثيلية تُقام في المواكب الحسينية، خاصة في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام ويوم الأربعين. تُعيد هذه التشابيه تجسيد أحداث واقعة الطف الأليمة، من مسيرة الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء، مرورًا بالمواقف البطولية لأهل بيته وأصحابه، وصولًا إلى لحظة استشهاده وسبي عائلته.
تتميز التشابيه بما يلي:
تجسيد الشخصيات: يرتدي المشاركون أزياءً تُشبه تلك التي كانت سائدة في تلك الحقبة، ويُؤدون أدوار شخصيات واقعة الطف (كالإمام الحسين، العباس، زينب، وغيرهم) والشخصيات المعارضة (مثل جيش عمر بن سعد).
استخدام الرموز: تُستخدم الرموز والألوان للتعبير عن معانٍ معينة. فاللون الأخضر غالبًا ما يرمز إلى الإمام الحسين وأهل بيته، بينما اللون الأحمر يرمز إلى الأعداء، والأسود يرمز للحزن.
المؤثرات الصوتية والبصرية: تُضاف المؤثرات الصوتية (كالطبول، الصنوج، البوق) والبصرية (كحرق الخيام الرمزية) لتعزيز الأجواء المأساوية للواقعة.
التفاعل مع الجمهور: يتفاعل الجمهور بشكل كبير مع هذه العروض، حيث تعم الأجواء الحزينة والباكية، مما يعمق الشعور بالتعاطف مع مصاب أهل البيت عليهم السلام.

تُعتبر التشابيه الحسينية موروثًا عراقيًا قديمًا، تطورت عبر الزمن لتصل إلى شكلها الحالي. يُعتقد أن جذورها تعود إلى قرون مضت، وأنها مرت بمراحل تطور مختلفة، متأثرة بالظروف السياسية والاجتماعية لكل فترة. ففي بعض الفترات كانت تُقام بشكل عفوي وبسيط، وفي فترات أخرى تطورت لتُصبح أكثر تنظيمًا واحترافية، خاصة بعد عام 2003 في العراق، حيث اتسع نطاق إقامتها وشملت مؤثرات صوتية وبصرية متقدمة.

خطط الحكومة والعتبات المقدسة
كما استنفرت الجهات الحكومية والأمنية والخدمية والطوعية في بغداد والمحافظات الجنوبية والوسطى جهودها لتنظيم مراسم إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، واستقبال ملايين الزائرين المتوجهين صوب العتبات المقدسة، ولا سيما في كربلاء المقدسة والكاظمية والنجف الأشرف، وسط برامج عزائية وثقافية متنوعة، وخطط أمنية ولوجستية متكاملة، تهدف إلى تأمين المناسبة الكبرى على الصعيدين التنظيمي والروحي.
وأكد نائب الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة، سعد الحجية، أن جميع كوادر العتبة، بمختلف أقسامها الأمنية والخدمية والصحية، دخلت في حالة استنفار تام استعداداً لاستقبال الزائرين خلال شهري محرم وصفر.
وقال الحجية: إن العتبة أطلقت برنامجاً دينياً وثقافياً واسعاً يتضمن محاضرات وندوات وقراءة قصائد رثائية، تشارك فيها شخصيات علمائية وخطباء ورواديد معروفون، لتجسيد أبعاد ملحمة الطف بما تحمله من قيم دينية وإنسانية وتربوية.
وأوضح أن العتبة نظمت جدولاً زمنياً خاصاً لدخول المواكب الحسينية إلى الصحن الشريف، إضافة إلى تنظيم مجالس العزاء وتقديم الضيافة للزائرين، مشدداً على أن هذه الفعاليات ستستمر حتى نهاية شهر صفر، ضمن خطة مدروسة تضمن إنسيابية التنظيم والخدمة.

زر الذهاب إلى الأعلى