قرار أنقذ وطنًا

فى مساء مشحون بالأمل والقلق على مستقبل الوطن، خرجت الإرادة الشعبية المصرية تتصدى لمشروع كان يُعد على نار هادئة لاختطاف الدولة.
كان 3 يوليو 2013، أشبه بصرخة إنقاذ فى لحظة كان فيها الوطن يقف على حافة الهاوية. قرارات ذلك اليوم لم تكن مجرد إجراءات سياسية، بل كانت ضربة قاصمة على طريق استعادة السيادة الوطنية، وتفكيك منظومة التمكين الإخوانى التي حاولت تفريغ الدولة من معناها ومضمونها.
مشروع أخونة الدولة
«الجماعة لم تكن تستهدف السلطة فقط، بل تفكيك الدولة من جذورها»، هكذا لخص ناجى الشهابى، رئيس حزب الجيل الديمقراطى، المخطط الإخوانى.
فور وصولهم إلى الحكم، شرعت الجماعة فى تنفيذ خطة منهجية للسيطرة على مفاصل الدولة، بدأت بمحاولات اقتحام المؤسسة القضائية، باعتبارها واحدة من أقوى أعمدة الدولة الوطنية.
الشهابي كشف في تصريح خاص
لـ«روزاليوسف» عن أن الجماعة تقدمت – بالتعاون مع حزب البناء والتنمية – بأربعة مشاريع قوانين تهدف إلى إعادة تشكيل الهيئات القضائية، أخطرها كان مقترحًا لخفض سن تقاعد القضاة من 70 إلى 60 عامًا، بما يطيح بنحو 3800 قاضٍ ويُمكّن نحو 3500 محامٍ من المنتمين للجماعة.
لكنه لم يصمت، من داخل مجلس الشورى، تصدى الشهابى لهذا المشروع مستندًا إلى مسؤوليته الوطنية، وتمكن، عبر تحالف نواب الائتلاف الوطني الاجتماعى، من إفشال المقترح داخل لجنة الاقتراحات والشكاوى، حيث سقط بأغلبية ضئيلة، ليُجمّد داخل الأدراج عامًا كاملًا، ويُسجَّل أول كسر حقيقى لهيمنة الجماعة داخل البرلمان.
اعتصام رابعة.. غطاء التمرد الدموي
فى تلك الأثناء، كان المشهد فى الشارع المصري يتجه نحو تصعيد خطير.. الجماعة حولت ميدانى رابعة العدوية والنهضة إلى ساحة تمرد مسلح.
العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للدراسات الأمنية، قال: إن الاعتصام لم يكن سلميًا كما رُوّج، بل كان غطاءً لمخطط مسلح يهدف إلى شل مؤسسات الدولة، وخلق صدام دموى يُستغل خارجيًا لتدويل الأزمة المصرية.
فض الاعتصام، بحسب راغب، لم يكن خيارًا، بل ضرورة وطنية تمت فى وضح النهار، وبمراقبة إعلامية وحقوقية. ما تلا ذلك من موجات إرهاب منظم، خصوصًا فى سيناء والدلتا، لم يكن رد فعل بل كان جزءًا من خطة معدة سلفًا، بساعة صفر محددة، وواجهة إعلامية جاهزة تحت عنوان «المظلومية».
أزمات متلاحقة
قبل 3 يوليو، كانت البلاد تغرق فى أزمات متلاحقة. انقطاع الكهرباء، طوابير الوقود، وتعطل الخدمات.
اللواء أشرف أمين، الخبير الأمنى، أوضح أن تلك الأزمات لم تكن عفوية، بل ضمن محاولة ممنهجة لتوليد غضب شعبى مُوجّه وتحقيق حالة من الفوضى.
وأكد أن الجماعة كانت تسعى لاختلاق واقع مأزوم لفرض شرعيتها بالقوة، وتبرير وجودها باعتبارها «المنقذ الوحيد»، بينما كانت تخطط بالتوازى لبناء ميليشيات مسلحة فى سيناء لبث الرعب وتفكيك الدولة من الداخل.
عام من الفوضى
أما المستشار جمال التهامى، رئيس حزب حقوق الإنسان والمواطنة، فقد وصف عام حكم الجماعة بأنه أسوأ اختبار تعرضت له الدولة الحديثة.
عجز إداري، غياب للرؤية، تراجع مريع فى الخدمات، وارتفاع فى معدلات الفوضى. أدارت الجماعة مصر كأنها «غنيمة»، واستخدمت منهج التمكين بديلًا للكفاءة.
التهامى يرى أن ذكرى 3 يوليو ستظل مرتبطة فى الذاكرة الجمعية بلحظة رفض شعبى للاستبداد المقنّع بالدين، وبداية جديدة لبناء دولة حديثة تستند إلى المؤسسات والدستور لا إلى التنظيم والولاء.
المرشد.. فوق الدولة
الخطورة لم تكن فقط فى الأداء، بل فى الفكرة التي حكمت الجماعة.
طارق البشبيشى، الباحث المتخصص فى شؤون الحركات الإسلامية، أكد أن الجماعة تأسست على الإقصاء والانغلاق، وأن مرشد الإخوان كان يحظى بسلطة فوق كل السلطات، لا يُسأل ولا يُراجع، وهو ما جعلهم يرفضون التعددية السياسية ويتعاملون بمنطق «إما معنا أو ضدنا».
البشبيشى يرى أن الإقصاء لم يكن طارئًا على الجماعة، بل جزءًا من تكوينها العقائدى، وأن مؤسسها حسن البنا غرس فى التنظيم تقديس الذات وشيطنة الآخر، حتى صار الاختلاف معهم كفرًا بالخلافة!
الحكم على الطريقة الإخوانية
هشام النجار، الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية، شبّه تجربة الإخوان بنموذج «ولاية الفقيه» الإيرانى، لكن بصيغة سنية تتجسد فى «المرشد العام».
النجار أوضح أن الجماعة سعت لنقل هذا النموذج إلى الداخل المصري من خلال السيطرة على القرار السياسى والأمنى، وطرح فكرة إنشاء ميليشيا شبيهة بالحرس الثورى، تتكون من شباب الجماعة والتنظيمات الحليفة.
كل ذلك كان يسير فى اتجاه واحد: تحويل مصر إلى دولة داخل الدولة، تحكمها جماعة، لا قانون ولا مؤسسات.
العبث بالسيادة
العميد شريف أبو المعالى، الخبير الأمنى، يصف ما جرى بأنه استجابة طبيعية لإرادة شعبية جارفة. لم يكن الأمر مجرد قرار سياسى، بل رد وطني صريح على محاولات تفكيك الدولة من الداخل، من خلال محاولات اختراق الجيش والشرطة، وضرب هيبة القضاء، والأخطر من ذلك، التساهل مع الجماعات المسلحة فى سيناء، فى مشهد بدا وكأن الدولة تتخلى طواعية عن واحدة من أهم ركائز وجودها: السيادة.
أبوالمعالي يشير إلى واحدة من أخطر لحظات العبث: الاجتماع المتلفز بشأن سد النهضة. حينما تحولت قضية الأمن المائى المصري إلى مناقشات علنية على الهواء، فى سابقة كشفت عن غياب الدولة، وغياب المؤسسات، وانعدام الحد الأدنى من الحس الوطني فى إدارة ملف مصيرى.
البرلمان كان شاهدًا على التآكل من جانبه، أكد النائب محمد عبد الرحمن راضى، أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومى، أن البرلمان تابع بدقة ما كان يحدث قبل 30 يونيو.
مؤشرات مقلقة كانت تتراكم: التهاون مع التنظيمات الإرهابية، التواصل مع ميليشيات مشبوهة، ومحاولات اختراق القضاء، سواء بالتهديد، أو التشويه، أو إصدار تشريعات تمس استقلاله. راضى وصف قرارات 3 يوليو بأنها لحظة استعادة حقيقية للدولة، حين أدرك الشعب أن الشرعية لا تُمنح إلا منه، وأن القوات المسلحة كانت صمام الأمان فى مواجهة مشروع لا يعترف بالدولة، بل بالسُلطة فقط.
3 يوليو.. إنقاذ من طوفان العنف
أما الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية، طارق أبو السعد، فقد وصف ما جرى فى 3 يوليو بأنه إنقاذ حقيقى من طوفان عنف كان قاب قوسين أو أدنى.
الجماعة، بحسب وصفه، لم تكن تختلف فى منهجها عن تنظيمات مثل «جبهة تحرير الشام»، وبدأت منذ اللحظة الأولى فى تقديم تنازلات تضرب بجوهر الدولة عرض الحائط. أبوالسعد يضيف، أن عظمة اللحظة لم تكن فى مضمونها السياسى فقط، بل فى كونها استجابة صادقة لإرادة شعبية خالصة، قادها المهمشون والبسطاء ممن امتلكوا وعيًا وطنيًا تجاوز كثيرًا من النخب.
البركان الشعبي الذي أسقط التنظيم
من بين من عايشوا التجربة من داخلها، جاء صوت إبراهيم ربيع، القيادى الإخوانى المنشق، الذي وصف 30 يونيو بأنها لحظة انفجار بركان وطني، تفجر من أعماق موروث الشعب الحضارى، فزلزل كيان التنظيم وأسقط أوهامه. قرار 3 يوليو– كما يقول – لم يكن إلا صدى لهذا البركان، واستجابة لحراك شعبى أراد أن يستعيد الوطن من مشروع اختطاف عقائدى لا يعترف بالوطن أو المواطن.
ربيع يرى فى هذا القرار لحظة استرداد الهوية الوطنية، حين رفعت الدولة شعار «لا سمع ولا طاعة»، بل دولة قانون ودستور ومواطنة، لا مكان فيها لولاءات عابرة للحدود. الفتنة الطائفية.. السلاح الذي سقط
الجماعة حاولت– بعد سقوط حكمها– اللعب بورقة الطائفية. اللواء عادل العمدة، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، يؤكد أن استهداف الكنائس بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة لم يكن عشوائيًا، بل محاولة مدروسة لتصوير المشهد كصراع دينى، وليس كحرب على الإرهاب.
لكن وعى الكنيسة المصرية– كما يشير العمدة– أحبط هذا المخطط، حين قررت أن تتحمل بصمت، وتغلبت بالحكمة على دعوات الانتقام، وهو ما أفشل المؤامرة فى مهدها. وفى السياق ذاته، أوضح العقيد حاتم صبرى، الخبير العسكرى، أن استهداف الكنائس والمساجد لم يكن إلا محاولة لتوسيع رقعة الانقسام المجتمعى.
الهجوم على مسجد الروضة فى شمال سيناء، أكبر دليل على أن الجماعة لم تكن تميز بين مسلم ومسيحى، بل تستهدف كل من لا ينتمى إلى مشروعها.
صبرى يشدد على أن الدولة المصرية استطاعت أن تواجه هذا المخطط بحنكة أمنية وسياسية، وأن وعى المصريين وإدراكهم للخطر كان الحصن الحصين الذي أفشل تلك الحرب النفسية.
3 يوليو.. صفعة على وجه الجماعة
وفى وصف بليغ، قال عبدالتواب عبدالمؤمن، عضو أمانة المهنيين بحزب مستقبل وطن: إن قرارات 3 يوليو كانت صفعة قوية على وجه جماعة استباحت كل شيء: مؤسسات الدولة، السيادة، والأمن القومى.. لم تكن مجرد خطوة سياسية، بل صرخة وطنية لإنقاذ دولة كانت تُجر إلى هاوية الفوضى والتقسيم.
أما عاطف الخليدى، أمين عام حزب التحرير بمحافظة بنى سويف، فيصف 3 يوليو بأنها طوق نجاة انتشل الدولة من مستنقع خطير.. اللحظة التي قرر فيها الشعب إسقاط مشروع التمكين الإخوانى، الذي أراد أن يقيم حكمًا دينيًا استبداديًا، لا يعرف دستورًا، ولا يعترف بتعددية.
الثالث من يوليو لم يكن مجرد يوم فى التاريخ، بل كان يومًا صنعت فيه مصر مستقبلها بيدها، استجابت فيه مؤسساتها لصوت شعبها، واستعادت الدولة فيه هويتها من جماعة حاولت أن تختطفها باسم الدين.
لقد كتب المصريون فى تلك الأيام الصعبة سطورًا من التاريخ، وأثبتوا أن الوطن لا يُباع، وأن السيادة ليست ورقة تفاوض، بل دماء تُراق من أجلها.