د. عبد الحميد متولي: الهجرة لم تنقطع وكل مسلم مطالب بهجرة من الكسل إلى العمل.. ومن السلبية إلى الإيجابية
أكد الدكتور عبدالحميد متولي رئيس المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام ان الهجرة النبوية ليست ذكرى نُحييها كل عام فحسب، بل هي مشروع حياة. فيها من الدروس ما يُبني به الإنسان، وتُنهض به الأمم. فعلينا أن نستحضرها بروح الفهم والتطبيق، لا بمجرد العاطفة والاحتفاء.
أضاف ان الهجرة النبوية ليست حدثًا تاريخيًا فحسب، بل هي نقطة تحوّل كبرى في مسار الرسالة الإسلامية، جمعت بين الإيمان العميق، والتخطيط المحكم، والتوكل الصادق. ومن خلالها، وُضعت اللبنات الأولى لبناء مجتمع العدل والرحمة والسلام. إنها مدرسة متكاملة تُلهم الأفراد والمجتمعات حتى اليوم، وتُقدِّم دروسًا عملية تربط الماضي بالحاضر، وتفتح آفاق المستقبل.
أضاف أنه رغم أن النبي ﷺ كان في ذروة التوكل على الله، فإنه خطط للهجرة بكل تفاصيلها: اختار الرفيق، وحدد الطريق، واستأمن من يثق به، واتخذ من غار ثور ملجأً. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “كان من تمام توكله ﷺ أخذه بالأسباب، لا سيما في مواضع الخطر.”وهذا يعلمنا أن الإيمان لا ينافي التخطيط، وأن النجاح في الحياة يتطلب الجمع بين الروح والتدبير.
وشدد انه في عالمنا اليوم، نحتاج إلى التخطيط الواعي في مشاريعنا وأعمالنا كما فعل النبي ﷺ في أعظم مشروع للبشرية: بناء دولة الإسلام.
وأوضح أن الهجرة النبوية تعلمنا التضحية حيث ترك النبي ﷺ وطنه، وترك الصحابة أموالهم ومنازلهم وأحبّتهم من أجل نصرة الدين. هذه التضحيات لم تكن عبثًا، بل هي التي صنعت الجيل الذي غيّر وجه التاريخ.
وشدد انه ينبغى أن نتعلم تلك التضحية فكم من شباب اليوم مستعد لترك العادات الضارة، أو مواجهة التحديات الأخلاقية، أو مغادرة بيئات الفساد حفاظًا على دينه؟ الهجرة الحقيقية اليوم هي هجرة النفس عن الذنوب، وهجرة القلوب إلى الله.
ولفت إلى أن النبي علمنا في الهجرة بناء مجتمع على أسس الأخوة، فحين وصل النبي ﷺ إلى المدينة، لم يبدأ ببناء قصر، بل أسّس المسجد، وأقام عقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار. قال المفكر مالك بن نبي:”كانت الهجرة بداية التحول من الفردية إلى المجتمع، ومن المظلومية إلى الرسالة.”
وشدد دمتولي ان عالمنا المعاصر يمزقه التفرّق والطائفية، والهجرة النبوية تذكّرنا بأهمية بناء مجتمع متماسك، يتجاوز الفوارق، وينطلق من القيم العليا.
ولفت إلى أن الهجرة لم تكن نزهة، بل محفوفة بالمخاطر، لكنها كشفت عن ثبات النبي ﷺ وصبره، وصدق إيمانه، وما أحوجنا إلى الثبات على المبادئ في زمن المتغيرات، إلى من يصمد أمام الإغراءات، ولا يبدّل دينه بدنيا زائلة.
أضاف أن الهجرة مستمرة بمعناها قال الحسن البصري: “الهجرة لا تنقطع ما دام التوبة ممكنة، فالهجرة اليوم هي ترك ما حرم الله.” فالهجرة ليست عبورًا جغرافيًا فقط، بل هي تحوّل داخلي مستمر، وكل مسلم مطالب بهجرة من الكسل إلى العمل، ومن الظلم إلى العدل، ومن السلبية إلى الإيجابية.
.
