تأثير الأوضاع الجيوسياسية على قطاع التأمين في مصر والعالم: تحليل شامل

تُعتبر صناعة التأمين نظامًا اقتصاديًا أساسيًا يوفر الحماية من المخاطر المالية، من خلال جمع الأقساط من الأفراد أو الكيانات وتوزيع التعويضات على المتضررين. تشمل تلك الصناعة مجالات متعددة مثل التأمين الصحي، التأمين على الحياة، التأمين ضد الحريق، التأمين البحري، وتأمين المسؤوليات. كما تلعب إعادة التأمين دورًا محوريًا في توزيع المخاطر على نطاق جغرافي ومالي، مما يقلل من الأثر المحتمل للكوارث والأزمات الكبرى.
حسب ما ورد في نشرة الاتحاد المصري للتأمين، أصبحت شركات التأمين جزءًا لا يتجزأ من آليات النمو في الاقتصاد المعولم، باعتبارها تؤمّن الأصول والعمال والعمليات والتجارة. لذا، فإن أي اضطراب سياسي أو جغرافي تسفر عنه مخاطر تتطلب إعادة تقييم فورية وزيادة التكاليف.
العلاقة بين الأوضاع الجيوسياسية وصناعة التأمين
تتأثر صناعة التأمين بمجموعة من الجوانب الجيوسياسية، منها:
• زيادة معدلات المخاطر التي تنجم عن التوترات السياسية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأقساط وزيادة الحذر في الاكتتاب.
• تغير شروط إعادة التأمين التي قد تفرضها شركات إعادة التأمين بشكل أكثر صرامة على الدول المتأثرة بالنزاعات أو العقوبات.
• تعطل سلاسل الإمداد نتيجة الحروب أو العقوبات، مما يؤدي لارتفاع تكاليف التأمين البحري والنقل.
• زيادة المطالبات بشكل مفاجئ في حالات الغزو أو الاحتلال، مما ينجم عنه خسائر كبيرة لشركات التأمين.
• صعوبة تسوية المطالبات عبر الحدود نتيجة القيود المصرفية أو المالية الناتجة عن النزاعات.
أبرز المخاطر الجيوسياسية المؤثرة في العقد الحالي
تتضمن هذه المخاطر النزاع الإيراني الإسرائيلي الذي أثر بشكل مباشر على تأمين شحنات النفط والغاز، والنزاع في بحر الصين الجنوبي الذي هدد الملاحة والتجارة العالمية ورفع تكلفة التأمين البحري في آسيا. كما أسهمت الانقلابات في أفريقيا وغرب الساحل في التأثير على الاستثمارات الأجنبية، خاصة في مجالات التعدين والطاقة، مما ارتد على تغطيات التأمين التجاري والاستثماري. العقوبات الغربية المفروضة على كل من روسيا وإيران وفنزويلا تؤثر أيضًا على قدرتها على التعاقد مع شركات إعادة التأمين الغربية وتحد من تدفق المطالبات عبر الأنظمة المالية.
تُعتبر العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية من أدوات السياسة الخارجية وتتجاوز آثارها حدود الدولة المستهدفة لتشمل جميع الشركات المتعاملة معها، بما في ذلك شركات التأمين. حينما تُفرض عقوبات على دولة معينة، تواجه الشركات المتخصصة في التأمين خيارًا صعبًا إما بالتوقف عن تقديم الخدمة وتعريض نفسها لخسائر قانونية كبيرة أو الاستمرار في التغطية مع احتمال التعرض لغرامات مالية كبيرة.
أثرت العقوبات المفروضة على روسيا وإيران وفنزويلا بشكل واضح على صناعة التأمين العالمية، حيث شهدت تراجعًا في تغطيات التأمين البحري والطاقة وحتى التأمين على التجارة الدولية، بينما حالت العقوبات المفروضة على البنوك في تلك الدول دون تسوية المطالبات التأمينية ونقل الأموال، مما زاد الأعباء المالية على الشركات.
ارتفاع تكلفة إعادة التأمين نتيجة تصاعد المخاطر الجيوسياسية
تُعتبر إعادة التأمين صمام الأمان لصناعة التأمين، حيث تساعد في توزيع المخاطر. ومع تصاعد الأوضاع الجيوسياسية، أعادت شركات إعادة التأمين تقييم نماذجها التسعيرية، لا سيما في المناطق التي تعاني من تصعيد سياسي وأمني. هذا الأمر أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار إعادة التأمين عقب أحداث مثل الغزو الروسي لأوكرانيا والتوترات في شرق أوروبا والاضطرابات في منطقة الخليج.
تعود أسباب هذا الارتفاع إلى:
• زيادة احتمالات حدوث خسائر كبيرة.
• ارتفاع المطالبات المرتبطة بمخاطر الحرب والعقوبات.
• تعقيد إجراءات تسوية المطالبات بفعل العقوبات المالية.
• تقليص استعداد شركات إعادة التأمين للدخول في أسواق غير مستقرة سياسيًا.
ينعكس هذا الارتفاع في أسعار إعادة التأمين مباشرة على وثائق التأمين المقدمة للعملاء، مما يؤدي إلى انكماش الطلب أو مطالبة العملاء بتقليل التغطيات، وهو ما يزيد من مستوى المخاطر غير المؤمنة في الاقتصاد.
كيف تستجيب شركات التأمين للأزمات الجيوسياسية المفاجئة؟
بالرغم من استخدام أدوات تحليلية متقدمة، تأتي الأزمات الجيوسياسية غالبًا بشكل مفاجئ، مما يستدعي استجابات سريعة ومرنة. أبرز الممارسات التي اتبعتها شركات التأمين تتمثل في:
• تفعيل بنود الطوارئ في الوثائق، مثل تعليق التغطية أو مراجعة الأسعار عند تصنيف منطقة معينة كمنطقة حرب.
• الانسحاب المؤقت من الأسواق المتأثرة، كما حصل في أوكرانيا وأفغانستان وسوريا.
• إعادة التفاوض مع شركات إعادة التأمين لتحسين شروط التغطية.
• زيادة التحوط عبر التأمينات المشتركة مع شركات أخرى لتقاسم المخاطر.
لقد أصبحت المرونة التنظيمية وسرعة الاستجابة من أهم مؤشرات كفاءة شركات التأمين في بيئة مليئة بالمخاطر السياسية.
انعكاس التوترات الجيوسياسية على صناعة التأمين المصرية
تشكل الأوضاع الجيوسياسية ضغوطًا متعددة على صناعة التأمين في مصر، بدءًا من ارتفاع تكاليف إعادة التأمين إلى تقلب أسعار الصرف وزيادة معدلات التضخم، مما يؤثر على نية المستثمرين وقيمة المحافظ الاستثمارية.
أ. التأثير على أسعار إعادة التأمين في السوق المصري:
تُمثل شركات إعادة التأمين العالمية شريكًا أساسيًا لسوق التأمين المصري، حيث تعتمد الشركات المحلية بشكل كبير عليها لتغطية الأخطار الكبيرة. عند تأثر الأسواق العالمية بالأزمات الجيوسياسية، تلجأ شركات إعادة التأمين إلى:
• رفع أسعار أقساط إعادة التأمين، مما يضع أعباء إضافية على شركات التأمين المصرية.
• تقليص حدود التغطية أو فرض استثناءات على بعض المناطق أو القطاعات.
• فرض شروط أكثر تشددًا مثل رفع نسب التحمل.
شهد السوق المصري بعد عام 2022 ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار اتفاقيات إعادة التأمين، خاصة في قطاعات الطاقة والنقل البحري والتأمين ضد الحريق.